تعتبر مشكلة إزدواج الجنسية من أهم المشكلات التي تثور في القانون الدولي الخاص، وقد لاقت هذه المشكلة نقداً واستنكاراً شديداً من قبل فقهاء القانون الدولي الخاص وشراحه، وعقدت بشأنها مؤتمرات عديدة بين مختلف الدول للعمل على حل هذه المشكلة والحد منها.
ويمكن تعريف إزدواج الجنسية أو تعدد الجنسيات بأنه: تمتّع الشخص بأكثر من جنسية واحدة وفقاً لقانون دولتين أو أكثر، أي أن يكتسب شخص ما أكثر من جنسية واحدة نتيجة إختلاف أسس تنظيم الجنسية في تشريعات الدول المختلفة، وبذلك يصبح الفرد متعدد الصفة الوطنية حيث يكون مواطناً في أكثر من دولة، ويطلق على إزدواج الجنسية أيضاً "التنازع الإيجابي للجنسيات".
أشكال إزدواج الجنسية:
يأخذ إزدواج الجنسية أحد شكلين، فهو إمّا أن يكون معاصراً لميلاد الشخص، وإمّا أن يحدث في تاريخ لاحق للميلاد.
أولاً: إزدواج الجنسية المعاصر للميلاد:
وصورة هذا الشكل للإزدواج تكون في حالة طفل ولد لأب يتمتع بجنسية دولة تأخذ بحق الدم كأساس لمنح الجنسية، وكان ميلاد ذلك الطفل قد تم على إقليم دولة تأخذ بحق الإقليم كأساس لمنح الجنسية، وفي هذه الحالة يولد الطفل مزدوج الجنسية بحيث يمنح جنسية دولة أبيه إستناداً لحق الدم، كما أنه يحمل جنسية الدولة التي ولد على إقليمها تأسيسا على حق الإقليم.
ثانياً: إزدواج الجنسية في تاريخ لاحق للميلاد:
ويحدث هذا الشكل للإزدواج عند إختلاف أسس كسب الجنسية الطارئة أو وزوالها في قانون دولتين، ويوجد أمثلة كثيرة لهذا الشكل من الإزدواج، ومنها حالة تجنس شخص يحمل جنسية دولة (أ) بجنسية دولة (ب) دون الحصول على موافقة سلطات الدولة )أ(، وكان قانون هذه الدولة الأخيرة يبقي عليه جنسيته، ولم يشترط قانون دولة (ب) تنازله عن جنسية دولة )أ(، فنكون في هذه الحالة أمام حالة إزدواج للجنسية، كذلك يتوافر إزدواج الجنسية بالنسبة لتابعين المتجنس سواءً أكانوا أولاداً قاصرين أو زوجة، إذا كان قانون دولتهم الأصلية يبقى عليهم كمواطنين، بينما قانون الدولة التي تجنس بها متبوعهم يكسبهم جنسيتها إعمالاً لفكرة التبعية العائلية في التجنس، كما قد يحدث ازدواج الجنسية في الحالات التي تمنح فيها دولة معينة الجنسية لبعض الأفراد اعترافاً بمكانتهم الخاصة كما لو أنهم كانوا قد قدموا خدمة جليلة للدولة مانحة الجنسية، وأيضاً نجد ظاهرة إزدواج الجنسية إذا لم يسمح قانون دولة معينة للمرأة المواطنة التي تتزوج من أجنبي أن تفقد جنسيتها، بينما يقضي قانون الزوج بمنحها جنسيته دون أن يعلّق ذلك على فقدها الجنسية الأصلية التي تحملها عند الزواج.
طرق الحدّ والوقاية من إشكالية إزدواج الجنسية:
على الرغم من خطورة مشكلة إزدواج الجنسية، ورغم استنكارها من قبل الفقة القانوني الدولي، وانعقاد مؤتمرات دولية كثيرة للحد منها أو الحيلولة دونها، إلا أن هذه المشكلة لم تجد بعد سبيلاً إلى حلّها وإنهائها، وسوف نذكر هنا أهم الطرق والسبل التي تساعد على حل هذه المشكلة في شكليها المعاصر للميلاد واللاحق له.
أولاً: طرق الحدّ من إزدواج الجنسية المعاصر للميلاد:
1- توحيد أسس كسب الجنسية في القانون الدولي:
من حيث المبدأ فإن كل دولة حرة في تنظيم جنسيتها، ولكن يجب لتفادي مشكلة إزدواج الجنسية أن يكون هناك اتفاق بين الدول على توحيد أسس كسب الجنسية وتنظيم قواعدها.
2- تيسير ممارسة الأفراد لاختيار الجنسية:
بحيث لا يتم فرض الجنسية بصورة مطلقة وفي كافة الأحوال، بل يجب التمييز بين أسس كسبها، والتدريج والتفضيل بينها بتغليب الأساس القوي على ما دونه، فيجعل من الأول أساس لكسب الجنسية دون أن يمنح الفرد الحق في رد الجنسية، وإلزام الشخص مزدوج الجنسية بممارسة حق اختيار جنسية واحدة ومساعدته على ذلك، وهنا جدير بالذكر أن المادة السادسة من اتفاقية لاهاي لتقنين القانون الدولي سنة 1930 قد قضت "بمنح الشخص حق الاختيار إذا ثبت له أكثر من جنسية مفروضة، ولا يجوز لأية دولة من الدول التي يتمتع الشخص بجنسيتها حرمانه من حرية التخلي عنها، إذا كان مقيماً خارج إقليمها وتوافرت بشأنه الشروط التي وضعها القانون للتنازل عن الجنسية"، ولكن نجد في صياغة هذا النص أنها لا تحمل إجبار الشخص على ممارسة حق الاختيار، وبذلك ظلت تتيح له فرصة الاحتفاظ بأكثر من جنسية.
ثانياً: طرق الحدّ من إزدواج الجنسية الذي يتحقق بعد الميلاد:
1- تعليق اكتساب الجنسية الطارئة على فقد الجنسية السابقة:
وإن كان تعليق اكتساب الجنسية الطارئة على فقد الجنسية السابقة يحمل في ظاهره وسيلة ذات جدوى في تفادي مشكلة إزدواج الجنسية، إلا أنه في الوقت ذاته يحمل في طياته خطورة، حيث أنه قد يقود في بعض الأحيان إلى مواجهة حالات انعدام الجنسية في حالة عدم اكتساب الجنسية الجديدة، وللحيلولة دون وقوع هذه المشكلة فإنه يتعين أن يكون التخلي عن الجنسية السابقة لاحقاً على اكتساب الجنسية الجديدة وخلال فترة معينة من تاريخ حصوله عليها.
2- تقرير حق الخيار واحترام إرادة الفرد:
تبرز أهمية هذه الوسيلة في الحالات التي يكتسب فيها الشخص الجنسية دون دخل لإرادته في ذلك، فعلى سبيل المثال: يتعين منح المرأة الأجنبية الحق في التخلّي عن جنسية الزوج إذا قضى تشريع هذا الأخير بفرض جنسيته عليها بقوة القانون، كذلك يتوجب أن يخول تابعي المتجنس "سواء الزوجة أو الأولاد القصر" الحق في اختيار جنسية متبوعهم المتجنس أو رفضها والاحتفاظ بجنسيتهم السابقة، وأيضاً منح الزوجة الأجنبية حرية استرداد جنسيتها السابقة أو البقاء في جنسية زوجها إذا ما انقضت الرابطة الزوجية، ودون إرغامها على استرداد جنسيتها السابقة بقوة القانون.
الخلاصة:
إن الوسائل المطروحة للحد والوقاية من مشكلة إزدواج الجنسية تبقى عاجزة ما دامت السياسة التشريعية في مسائل الجنسية متروكة للمشرع الوطني في كل دولة، يصوغها بتقدير مطلق ووفق المصالح العليا لدولته، ولابد لتنظيم هذه المسألة بشكل حقيقي وذو أثر ناجح من وجود اتفاق قانوني دولي موحد يقنن وينظم كافة مسائل الجنسية ويحدد الإطار التنظيمي لها ويقيد من صلاحية المشرع الوطني في ذلك، وهذا كله في سبيل تحقيق وضمان المصلحة الدولية العامة بمنع إزدواج الجنسية.
تعليقات
إرسال تعليق