إدغام العقوبات
من المسلّم به في القوانين الجزائية "الجنائية" وفي علم الإجرام والعقاب أن لكل جريمة عقوبة محددة لها، وأنه كل ما تعددت الجرائم تعددت العقوبات المفروضة على مرتكبها، وهذا يقتضيه مبدأ التقابل بين الجرائم وعقوباتها.
فالأصل أنه في حالة تعدد الجرائم المرتكبة من قبل مجرم واحد أن يتم جمع عقوبات تلك الجرائم ما لم يكن ذلك مستحيلاً، إلا أن القانون رأى غير ذلك في هذه الحالة والتي تسمى بحالة اجتماع الجرائم المادي، فقرر فرض العقوبة المحددة لكل جريمة وتنفيذ العقوبة الأشدّ من بينها فقط دون سواها وإدغام العقوبات الأخرى فيها، وذلك رأفةً بالمجرم ورفقاً بأحواله، وهذا ما يسمى بإدغام العقوبات.
تعريفه وخصائصه
يمكن تعريف إدغام العقوبات بأنه مصطلح قانوني يعني أنه إذا ثبت على المجرم عدة جنايات أو جنح فإنه يقضى بعقوبة لكل جريمة منها ولا تنفذ إلا العقوبة الأشدّ، بحيث تدغم العقوبة الأخف بالعقوبة الأشدّ وتنفذ العقوبة الأشدّ دون سواها، على أنه يمكن الجمع بين العقوبات المحكوم بها بشرط أن لا يزيد مجموع تلك العقوبات على أقصى العقوبة المعينة للجريمة الأشدّ إلا بمقدار نصفها.
وإدغام العقوبات لايعني سقوط الجرائم الأخرى وتلاشيها في الجرم الأشدّ، بل يعني أنه بعد تنفيذ العقوبة الأشدّ تنتهي العقوبة المندغمة فيها، وهذا تدبير تنفيذي لايعطي المحكوم عليه حقاً مكتسباً ولايلغي عنه عقوبة محددة في الحكم، فإذا حدث أثناء التنفيذ طارئ جديد كالعفو العام وشمل بعض الجرائم واستثنى البعض الآخر، فإن ذلك يؤدي إلى فك الإدغام وإسقاط العقوبة عن الجرائم المشمولة بالعفو العام وتنفيذ العقوبات الأخرى التي استثنيت منه، وهذا ما أجمع عليه أغلب الفقه والقضاء، فعلى سبيل المثال لو كانت العقوبة الأشدّ هي لجريمة القتل وكان العفو العام قد شمل مرتكبي هذا الجرم فنزلت عقوبته عن مرتبته العليا وأصبحت عقوبة السرقة الموصوفة هي العقوبة الأشدّ، ففي هذه الحالة ينتقل التنفيذ إليها وتدغم العقوبات المستثناة بالعفو العام بها.وإن أمر دغم العقوبات هو أمر إختياري وليس وجوبي، حيث أنه يعتبر من الأمور الموضوعية التي يعود تقديرها إلى المحكمة وفقاً لظروف كل قضية وملابساتها، ولا معقّب عليها في ذلك ما دام هذا التقدير قد تمّ وفقاً لأحكام القانون، فيمكن للقاضي فرض عقوبة من أجل كل جريمة في حال اجتماع الجرائم المادي ودغمها وتنفيذ أشدّها فقط، كما يمكنه الجمع بين العقوبات المحكوم بها بشرط أن لايزيد مجموع تلك العقوبات على أقصى العقوبة المعينة للجريمة الأشدّ إلا بمقدار نصفها.
والعقوبة المقصودة عند إعمال الإدغام هي العقوبة المقضي بها وليست العقوبة الوارد ذكرها في نص القانون، كما أنه لايجوز الدغم بين العقوبة والتدبير الإصلاحي أو الإحترازي أو العقوبات التكديرية أو الإضافية أو الفرعية، وذلك لاختلاف الطبيعة القانونية لكل منها إذ لايجوز الدغم إلا في العقوبات الأصلية حصراً، كما أن العقوبات الأقل شدّة المدغومة مع العقوبة الأشدّ تعتبر سوابق في التكرار بالنسبة للمجرم.
المحكمة المختصة لنظره
تكون المحكمة المختصة للنظر في طلب الإدغام هي ذات المحكمة التي صدرت عنها الأحكام المختلفة، أما إذا كانت الأحكام صادرة عن محاكم مختلفة فإن المحكمة التي أصدرت الحكم الأخير هي المختصة للفصل في هذا الطلب بصرف النظر عن العقوبة المحكوم بها من قبلها سواءً كانت هي الأشدّ أو الأخف، لأن المحكمة التي أصدرت الحكم الأول لايمكن أن يطلب منها بحث الإدغام حينما فصلت بالقضية لأنها على غير علم بوقوع الجرم الثاني والحكم فيه، أما المحكمة التي أصدرت الحكم الأخير فالمفترض فيها أن تسأل عن الأحكام السابقة وتكون على علم بها، وبالتالي فتكون هي المكلّفة في بحث الإدغام، ولايشترط لهذا الدغم أن تكون الجرائم متلازمة أو حادثة في وقت واحد، بل يكفي أن يكون تاريخ وقوع الجرائم المدغومة قبل صدور حكم مبرم في أي منها.
تعليقات
إرسال تعليق