تعريف الموازنة العامة للدولة
يمكن تعريف الموازنة العامة للدولة بأنها بيان مالي تقديري معتمد من قبل السلطة التشريعية في الدولة لسنة مالية قادمة، يحتوي على تقدير الإيرادات العامة المتوقّع أن تحصّلها الدولة، وعلى تقدير النفقات العامة المتوقّع أن تنفقها الدولة خلال تلك السنة. وتجدر الإشارة إلى أن أول موازنة بالشكل الحديث ظهرت في بريطانيا عام 1720م.
عناصر الموازنة العامة للدولة
يتضّح لنا مـن التعـريف السابق وجود عنصرين رئيسيين للموازنة العامة للدولة هما:
العنصر الأول/ التقدير: ويتمثّل في تقدير أرقام للإيرادات العامة المتوقع أن تحصل عليها الدولة ممثلة بالسلطة التنفيذية، وكذلك النفقات العامة المتوقع أن تنفقها لإشباع الحاجات العامة للشعب، وذلك خلال فترة مالية مستقبلة مقدّرة بسنة واحدة في أغلب دول العالم.
العنصر الثاني/ الإعتماد: ويتمثّل بموافقة السلطة التشريعية في الدولة على توقّعات السلطة التنفيذية للإيرادات العامة والنفقات العامة، وعليه فإن الموازنة العامة تبقى مجرد مشروع موازنة إلى حين إعتمادها من قبل السلطة التشريعية.
أهمية الموازنة العامة للدولة
الموازنة العامة للدولة لها أهمية كبيرة جداً، فهي ذات دلالة اقتصادية واجتماعية وسياسية للدولة، حيث أنها تكشف الخطط والأهداف والأغراض التي تسعى الدولة إلى تحقيقها، وذلك عن طريق تحليل أرقام الإيرادات العامة والنفقات العامة المتضمّنة في تلك الموازنة، ويمكن إيجاز أهميتها بما يلي:
من الناحية الاقتصادية:
تساعد الموازنة العامة في إدارة و توجيه الاقتصاد القومي، حيث أنه لم يعد ينظر إلى الموازنة العامة للدولة كمفهوم تقليدي بأنها تتكون من مجرّد أرقام للإيرادات والنفقات العامة للدولة فحسب، بل أصبحت أداة من أدوات تحقيق أهداف الخطة الاقتصادية للدولة، وتعكس وتبيّن آثارها في حجم الإنتاج القومي وفي مستوى النشاط الاقتصادي للدولة، كما أنها تؤثر بشكل ملحوظ في مختلف أنواع وأشكال القطاعات الاقتصادية، فغالباً ما تستخدم الدولة الموازنة العامة لإشباع الحاجات العامة التي يهدف الاقتصاد إلى تحقيقها، ما يجعل العلاقة وثيقة بين النشاط المالي للدولة والأوضاع الاقتصادية فيها بكل ظواهرها من انتعاش أو انكماش أو تضخم، وبالتالي فإنه يكون من الصعب فصل الموازنة العامة عن الخطط الاقتصادية للدولة، وهي غالباً تعكس وضع الحياة الاقتصادية فيها.
من الناحية الإجتماعية:
تستخدم الموازنة العامة للدولة كأداة لتحقيق أغراض اجتماعية فيها، فهي تعمل على تحقيق التوازن الاجتماعي والقضاء على التفاوت بين دخول الأفراد، مع ضمان وصول بعض الخدمات العامة دون مقابل للفئات ذات الدخل المحدود معتمدةً في ذلك على الضرائب في المقام الأول ثم تأتي مدفوعاتها "الإعانات المقدمة إلى الأفراد" في المقام الثاني.
من الناحية السياسية:
تعدّ الموازنة العامة للدولة من أهم أدوات المؤسسات السياسية المؤثرة على أموال المجتمع من حيث تنظيم صرفها من جهة، والمحافظة عليها من جهة أخرى، كما تشكّل مراحل إعداد الموازنة العامة للدولة واعتمادها مجالاً حسّاساً من الناحية السياسية، حيث أنها تعتبر وسيلة ضغط غير مباشر تستعملها السلطة التشريعية الممثلة بالبرلمان للتأثير على عمل الحكومة سواءً من حيث تعديل الموازنة أو حتى رفضها لكي تضطّر الحكومة لإتباع نهج سياسي معين تحقيقاً لبعض الأهداف السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية.
القواعد والمبادئ الأساسية لإعداد الموازنة العامة للدولة
يجب أن يخضع إعداد الموازنة العامة للدولة لمجموعة من القواعد والمبادئ الأساسية التي تهدف إلى ضمان وضعها بصورة قانونية سليمة وواضحة، وذلك حتى يتسنّى للسلطة التشريعية تفهمها، وبالتالي إمكانية فرض الرقابة على تنفيذها، إضافةً إلى ذلك فإن تلك القواعد والمبادئ تهدف إلى أن تكون الموازنة العامة للدولة معبّرة تعبيراً صادقاً عن النشاط المالي فيها، فضلاً عن أنها تجنّب الحكومة الوقوع في الخطأ، وتقلّل من احتمالات الإسراف خصوصاً في حالة وجود فائض بزيادة الإيرادات على النفقات، وأهمّ تلك القواعد والمبادئ الأساسية لإعداد الموازنة العامة مايلي:
أولاً: سنوية الموازنة
تقضي هذه القاعدة بأن يتم وضع الموازنة العامة لسنة مالية قادمة لا أكثر، وذلك على أساس أن السنة الواحدة تمثّل دورة كاملة للفصول المناخية الأربعة، وخلالها تتميز الإيرادات والنفقات بصفة التكرار وتكون فترة ملائمة لتقييم أداء السلطة التنفيذية هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن تلك المدّة تساعد على سهولة التنبؤ بالنفقات العامة والإيرادات العامة، وتوفر الفرصة المناسبة للسلطة التشريعية للرقابة المستمرة على تنفيذها، وهذه القاعدة لا تمنع من أن تأخد بعض الدول إلى جانب الموازنة العامة السنوية بنوع آخر من أنواع الخطط المالية طويلة الأمد ولعدة سنوات وأن توضع الموازنة العامة في إطار تلك الخطط، ومن أنواع تلك الخطط المالية: الخمسية والعشرية وغيرها.
وقد تكون السنة المالية مطابقة للسنة الميلادية بحيث تبدأ ببداية يناير وتنتهي بنهاية ديسمبر، كما أنه قد تتداخل السنة المالية مع السنة الميلادية كما هو الحال في بعض الدول، فقد تبدأ السنة المالية في أول يوليو وتنتهي في آخر يونيو من السنة التالية.
ثانياً: وحدة الموازنة
تقضي هذه القاعدة بأن يتم إدراج جميع الإيرادات والنفقات في وثيقة واحدة فقط هي الموازنة العامة للدولة، ما يعكس صورة كاملة وواضحة عن نشاط الدولة، وهذا الأمر الذي يساعد على معرفة كافة الظروف الاقتصادية والمالية التي تمرّ بها الدولة والإحاطة بها، فضلاً عن سهولة ممارسة الرقابة عليها خلال مراحل تنفيذ الموازنة العامة.
ثالثاً: عمومية أو شمولية الموازنة
تقضي هذه القاعدة بأن تشتمل الموازنة العامة على كافة تقديرات الإيرادات والنفقات، دون إجراء أي مقاصّة أو مبادلة بين بعض بنودها أوعناصرها وبعضها الآخر، وذلك بهدف معرفة كافة التفاصيل الدقيقة التي تحتويها الموازنة العامة وتحقيق الرقابة الفعّالة على كافة الإيرادات والنفقات فيها.
رابعاً: قاعدة التوازن
تقضي قاعدة التوازن بأن تتعادل الإيرادات مع النفقات في الموازنة العامة، أي أن يساوي إجمالي الإيرادات العامة إجمالي النفقات العامة للدولة، وعلى الرغم من منطقية وسلامة هذه القاعدة، إلّا أن الظروف الاقتصادية المفاجئة والمتغيرة في كثير من الأحيان لمعظم الدول أدّت إلى الأخذ بفكرة وجود عجز أو فائض في الموازنة العامة والقبول بها، وفي تلك الأحوال فإنه في حال وجود عجز في الموازنة يتم تغطية ذلك العجز عن طريق القروض المحلية أوالدولية، وفي حالة وجود فائض في الموازنة فإنه يتم ترحيله إلى السنة التالية.
خامساً: قاعدة عدم التخصيص
تقضي هذه القاعدة بعدم جواز تخصيص إيرادات محددة بعينها لمواجهة نفقات محددة بعينها، أي أن يتم توجيه كافة الإيرادات لتغطية كافة النفقات، وعليه فإنه لا يجوز تخصيص إيراد معين "كالضريبة السياحية" مثلاً، لصرفه على إنفاق معين "كإنشاء أو تطوير مرفق عام".
تعليقات
إرسال تعليق