قانون العمل، نشأته وتعريفه وخصائصه
* نشأة قانون العمل
يعتبر قانون العمل من القوانين حديثة النشأة، حيث أن أحكامه ومبادئه لم تظهر في شكلها المتميز والمستقل إلا مع بداية القرن الماضي "العشرين"، وبعد ذلك تطوّر هذا القانون بشكل سريع جداً، وتشكّل من مجموعة القواعد القانونية والتنظيمية التي تحكم كافة أوجه العلاقات الناتجة عن العمل التابع "العمل المأجور"..
* تعريف قانون العمل
في بداية الأمر كان يطلق على هذا القانون اسم القانون الصناعي حيث كان يطبّق على عمال القطاع الصناعي في المراحل الأولى للثورة الصناعية، وفيما بعد تم تسميته بالقانون العمّالي والقانون الاجتماعي، وهذا الاختلاف في التسميات أدى إلى ظهور اختلاف في النظرة إلى أهمية ودور مهمة هذا القانون لدى كل من فقهاء القانون والرأسماليين والاشتراكيين..
وعلى ضوء ذلك، ورغم وجود بعض الاختلافات في التسميات أو النظرات إلى أهمية ودور قانون العمل، فإنه يمكن تعريفه بأنه: "مجموعة القواعد القانونية التنظيمية والاتفاقية التي تحكم وتنظّم مختلف أوجه العلاقات القائمة بين كل من العمال وأصحاب العمل أو المنشآت المستخدمة لأولئك العمال، وما يترتب على تلك العلاقات من حقوق والتزامات قانونية لأطرافها".
ويتبين لنا من هذا التعريف أن قانون العمل الحديث يتضمن ما يلي:
أولاً: من الناحية الشكلية: يتكون من قواعد تشريعية وتنظيمية إضافةً إلى الأحكام التي يقررها العمال وأربابهم ضمن عقد العمل المبرم بينهما أو اتفاقية العمل الجماعية ونظام العمل الداخلي للمنشأة، باعتبارها أهم المصادر المهنية لقانون العمل والتي عادة ما يلجأ إليها القضاء عند البت في منازعات العمل.
ثانياً: من حيث مجال التطبيق: فإنه يطبّق على كافة العمال وأصحاب العمل الخاضعين لنظام العمل المأجور، باستثناء ما يخرج عن تلك الفئة وفقاً لنص قانوني صريح مثل موظفي الخدمة العامة أو القضاة أو الضباط أو غيرهم من المستثنين بنص خاص والذين يتبعون لقوانين خاصة تنظم علاقات أعمالهم.
ثالثاً: من حيث الجوانب التي ينظمها: فإنه ينظّم كافة أوجه العلاقات القائمة بين كل من العمال وأصحاب العمل أو المنشآت المستخدمة لأولئك العمال بمناسبة أداء العمل، وما قد يترتب على تلك العلاقات من حقوق والتزامات قانونية لأطرافها، بحيث ستكون التزامات كل طرف في العلاقة العمالية هي حقوق للطرف الآخر..
* خصائص ومميزات قواعد قانون العمل
لقد وصل قانون العمل كفرع مستقل من فروع القانون الخاص إلى درجة متقدمة من الاستقلالية والتكامل، ما جعل أحكامه وقواعده تتميز بعدة صفات وخصائص والتي أصبحت تشكل الهوية الخاصة له والتي تفرّق بينه وبين أحكام وقواعد القوانين الأخرى.
ويتفق الفقه الحديث على مجموعة فريدة من الخصائص والمميزات لقواعد وأحكام قانون العمل والتي يمكن إيجازها بما يلي:
أولاً: الصيغة الآمرة: إن قانون العمل في بداياته قد نشأ في ظل التعاقدات الفردية، حيث كان مبدأ سلطان الإرادة هو القانون المطبق على مختلف تلك العلاقات التعاقدية وفي شتى المجالات، ومع مرور الوقت ونتيجةً لذلك فقد تعرضت مصالح العمال وحقوقهم للانتهاك والاجحاف والظلم من جرّاء سيطرة وقوة أرباب العمل الذين كانوا يمارسون ذلك تحت حماية القانون المطبق آنذاك "أي قانون مبدأ سلطان الإرادة"، وكنتيجة منطقية لذلك قامت الدولة بالتدخل للحد من ذلك الانتهاك والاجحاف والظلم الذي تعرّضت له الطبقة العاملة عن طريق وضع قواعد منظمة لعلاقات العمل، ومتشدداً إلى حد كبير في صياغة هذه القواعد وعدم السماح لأطراف هذه العلاقات بتجاوزها.
وتتجلى هذه الصيغة الآمرة في عدة نواحي، أهمها:
1- أنها تهدف إلى حماية الطبقة العاملة بصفة خاصة.
2- ضمان التطبيق السليم لقواعد قانون العمل عن طريق فرض إجراءات جزائية متفاوتة في الشدة على كل مخالفة لتلك القواعد.
ثانياً: ذاتية المصدر: إن الدور الذي لعبته الطبقة العاملة في وضع قواعد وأحكام قانون العمل كان قد أسبغ على هذا القانون نزعة متميزة، تتمثل في اعتماد هذا القانون بشكل كبير على الظروف الواقعية والضمنيات التي يتميز بها قطّاع العمل إلى جانب المطالب الخاصة بالعمال، والتي تم الاعتماد عليها إلى حد كبير عند صياغة أحكام هذا القانون.
ثالثاً: الواقعية وتنوع الأحكام: نظراً لتنوع مجالات العمل من حيث طبيعة المهن والنشاطات واختلاف الحالات الفردية للعمال، فإن طابع الواقعية والتكيّف مع هذه الاختلافات يفترض تنوع أحكام هذا القانون، الأمر الذي فرض على الهيئات التشريعية الاكتفاء بوضع القواعد المتعلقة بالمسائل العامة المشتركة بين مختلف القطّاعات، ومن ثم ترك الجوانب التنظيمية والعملية والمسائل الخاصة بكل قطّاع أو نشاط مهني إلى النصوص التنظيمية التي تصدرها الهيئات التنفيذية فيها، أو إلى المنشآت المستخدمة للعمال بالاشتراك مع ممثلي العمال "النقابات" لاتخاذ الإجراءات والقواعد الخاصة المناسبة لهما، وذلك نظراً لما تمتاز به هذه الهيئات من مرونة وسرعة ومعرفة أكبر بالتفاصيل والجزئيات الخاصة المناسبة لها، بسبب الإحتكاك المباشر عملياً بها.
رابعاً: التوجه نحو التدويل: نظراً للتقارب الكبير بين الدول وخصوصاً في ظل انتشار وسائل الاتصالات وتطورها إلى جانب ظهور المنظمات الدولية المتخصصة كالمنظمة الدولية للعمل، ومنظمة العمل العربية، والسوق الأوروبية المشتركة.. وغيرها، ونظراً لما يصدر عنها من اتفاقيات دولية ثنائية أو متعددة الأطراف، إلى جانب التعاون النقابي بين مختلف النقابات على الصعيد الدولي، كل هذا وغيره جعل المجتمع الدولي وكأنه دولة واحدة بحيث يلاحظ تشابه كبير في قواعد قانون العمل لدى مختلف الدول على اختلاف اتجاهاتها السياسية والإيديولوجية والاقتصادية بما يكرّس وجود قانون دولي للعمل وهذا نتج عنه الاتجاه نحو التدويل.
تعليقات
إرسال تعليق