ما هو عقد العمل تحت الاختبار؟
هو عقد عمل بالمعنى الفني الدقيق، يتحقق بإتفاق الطرفين على أن يعمل أحدهما (العامل) تحت إشراف وإدارة الآخر (صاحب العمل) لقاء أجر، بيد أن هذا الاتفاق ليس نهائياً باتاً، وإنما لكل منهما فترة من الزمن يستطيع من خلالها أن يمضي في العقد فيصبح باتاً أو يكتفي بالتجربة فينعى العقد، وبالتالي فإن عقد العمل منذ بدايته وخلال مروره بفترة الاختبار وحتى نهايتها فإنه يكون عقد عمل تحت شرط الاختبار، وخلال تلك الفترة يتمكن العامل من الإلمام بظروف العمل ومدى مناسبته له، كما أن صاحب العمل يتحقق من مهارة العامل الفنية وأمانته ومدى صلاحيته لأداء العمل، وبعد مرور تلك الفترة يحدد كل طرف موقفه، إما الإستمرار في علاقة العمل ويصبح العقد باتاً وإما التخلص منه خلال مدّة الاختبار.
الغاية من عقد العمل تحت الاختبار وأهميته
تكمن الغاية الرئيسية من وجود فترة الاختبار في أنها تجنّب أطراف عقد العمل من حدوث مشاكل في مستقبل العلاقة العمالية حول موضوع عقد العمل وطبيعته المتفق عليها، حيث أن شرط الاختبار يسمح لأي من طرفي العقد أو لأحدهما الذي تقرر شرط الاختبار لمصلحته أن ينهي العقد خلال مدة الاختبار بإرادته المنفردة دون أية مسؤولية أو تعويض، ودون التقيد بأية شروط معقدّة، عكس ماهو الحال عليه في القواعد المقررة لإنهاء عقد العمل البات، وهنا تبرز أهمية وصف العقد بأنه عقد بات أم أنه عقد عمل تحت الاختبار في أن هذا الأخير يجوز إنهاؤه دون سبق إخطار للعامل (وفقاً لكثير من قوانين العمل في الدول العربية) ودون مكافأة أو تعويض، وحتى إن وجد شرط الإعلان المسبق فإنه يكون قصير المدة (غالباً من يوم إلى 7 أيام وفقاً لأغلب قوانين العمل في الدول العربية التي تأخذ بشرط الإخطار المسبق) إذا ما قورن بعقد العمل البات ويكفي فيه التسبيب "بعدم ملاءمة الاستمرار في العقد" حتى يكون ذلك الإنهاء مساغ قانوناً، ولذلك يكون وصف "تحت الاختبار" ضارّاً من هذه الزاوية بمصالح العامل وبإستقراره المهني، ومن هنا كان الحذر في استخلاص الوصف المذكور على النحو السالف بيانه.
التكييف القانوني لعقد العمل تحت الاختبار
لقد استقرّ رأي أغلب فقهاء القانون واتجاهات القضاء في الدول العربية إلى تكييف عقد العمل تحت الاختبار على أنه "عقد عمل معلق على شرط فاسخ هو عدم رضاء الطرف المقرر شرط الاختبار لمصلحته عن نتيجة ذلك الاختبار"، ووفقاً لهذا التكييف فإنه إذا تخلف الشرط الفاسخ بنجاح الاختبار ورضاء من تقرر شرط الاختبار لمصلحته عن نتيجة الاختبار فإن العقد يصبح باتاً بقوة القانون وبأثر رجعي، بحيث تحسب أقدمية العامل في العمل من تاريخ إبرام عقد العمل تحت الاختبار وليس من تاريخ تخلف الشرط الفاسخ، أما إذا تحقق الشرط الفاسخ بعدم رضاء الطرف المقرر شرط الاختبار لمصلحته عن الاختبار وإعلانه ذلك خلال فترة الاختبار فإن العقد يزول من تاريخ تحقق الشرط الفاسخ بالنسبة إلى المستقبل ولا ينسحب زواله إلى الماضي، وبالتالي يترتب على ذلك احتفاظ العامل بجميع حقوقه الناشئة عن العقد من تاريخ إبرامه وحتى تاريخ زواله، ويعتبر هذا التكييف هو الأكثر انسجاماً مع الطبيعة المستمرة لعقد العمل كونه يعتبر من عقود المدة أو العقود الزمنية التي لا يمكن أن ينسحب أثر فسخها إلى الماضي لأنه لا يمكن إعادة أو إرجاع ما مضى منها.
الفرق بين عقد العمل تحت الاختبار وغيره من العقود الأخرى
ـــ يختلف عقد العمل تحت الاختبار عن عقد التدريب أو التمرين أو التدرج في أن هذا الأخير يقصد منه تعليم العامل لمهنة أو صنعة أو حرفة معينة لدى صاحب العمل ليكتسب الخبرة فيها، ولا تكون الغاية منه أداء عمل كما هو عليه الحال في عقد العمل تحت الاختبار، حيث أن العامل في عقد العمل تحت الاختبار يفترض أن يكون على دراية بأصول المهنة ولا تنقصه الخبرة فيها، ويرغب صاحب العمل بالوقوف على مدى كفاءته، ومن جهة ثانية فإن العامل في عقد العمل تحت الاختبار يقوم بالعمل لحساب مصلحة صاحب العمل، في حين أن الغرض الأساسي من عقد التدريب أو التمرين أو التدرج هو تحقيق مصلحة العامل بتعليمه مهنة أو حرفة أو صنعة معينة.
ـــ ويختلف عقد العمل تحت الاختبار عن عقد العمل محدد المدة، حيث أن هذا الأخير يكون التراضي فيه منذ بداية انعقاده على مدة معينة لإنتهائه إما بتاريخ محدد أو بإنجاز عمل معين، وبالتالي فإنه ينعقد باتاً منذ البداية وتكون نهايته محددة بواقعة مستقبلية محققة الوقوع، وهذا على عكس عقد العمل تحت الاختبار حيث أنه لا يكون باتاً منذ بداية انعقاده، كما أن تحديد الأطراف أو المشرّع لمدته لا يمنع من إنهائه خلال تلك المدة لعدم رضا الطرفين أو أحدهما عن الاستمرار فيه، أما في العقد محدد المدة فإنه لا يمكن لأي من طرفيه إنهاءه قبل حلول أجله.
ـــ ويختلف عقد العمل تحت الاختبار عن التجربة أو الاختبار بذاته، فهذا الأخير عادةً ما يمر به العامل قبل إلتحاقه بالعمل دون وجود أي رابطة عقدية ولا يستمر لفترة طويلة إنما يكون على الأكثر لعدة ساعات، ويمكن اعتباره من باب المقابلة للتعرف على مهارات العامل قبل إبرام العقد معه، أما عقد العمل تحت الاختبار فيبدأ برابطة عقدية يحتكم من خلالها طرفاها إلى الاختبار أو التجربة للكشف بصورة عملية عن الجوانب التي لم تبينها التجارب والاختبارات التمهيدية، ولتأكيد الجوانب التي بينتها.
ـــ ويختلف عقد العمل تحت الاختبار عن عقد الوعد بالعمل في أن هذا الأخير هو عقد ابتدائي تام يعد فيه أحد الطرفين الآخر بإبرام عقد مستقبلي معه بعد تحقق شروط معينة أو زوال موانع معينة، ويكون هذا العقد ملزماً لمن صدر الوعد عنه، ولا نكون في هذه الحالة أمام عقد عمل فعلي إلا بعد موافقة الطرف الموعود له وبعد تحقق الشروط أو زوال الموانع ومن ثم إبرام العقد النهائي، أما في عقد العمل تحت الاختبار فنحن أمام عقد عمل مكتمل الأركان إلا أنه معلق على شرط الاختبار.
الشروط الخاصة لعقد العمل تحت الاختبار
إن عقد العمل تحت الاختبار يتميز بطبيعة خاصة تميزه عن غيره من العقود، وذلك من خلال القواعد التي وضعها المشرّعين لبيان أحكام انعقاده، وهذه القواعد تمثل الشروط والأركان الخاصة لانعقاد هذا العقد، وقد اتفقت أغلب قوانين العمل في الدول العربية على الشروط التالية:
أولاً: التراضي على شرط الاختبار وذكره في عقد العمل.
ثانياً: تحديد مدة الاختبار في عقد العمل ضمن مدة قصوى محددة قانوناً لا يمكن تجاوزها (الحد الأقصى لمدة الاختبار هو 3 أشهر وفقاً لأغلب قوانين العمل العربية).
ثالثاً: اشتراط أن لا يكون قد تم تعيين العامل تحت الاختبار لأكثر من مرة واحدة لدى صاحب العمل نفسه.
انتهاء عقد العمل تحت الاختبار
ينتهي عقد العمل تحت الاختبار إما خلال سريان مدته بإعلان الطرف المقرر شرط الاختبار لمصلحته برغبته بإنهاء العقد، وإما بإنتهاء مدته وتحوله إلى عقد عمل بات.
وإن الحق بإنهاء عقد العمل تحت الاختبار مقرر لكلا طرفي العقد على السواء ما لم يتفق الطرفين على أن يكون شرط الاختبار مقرر لمصلحة أحدهما فقط، فإذا رأى الطرف المقرر شرط الاختبار لمصلحته بأنه لا جدوى من استمرار هذا العقد، فيكون له الحق بإنهائه بشرط أن يكون ذلك قبل إنتهاء مدة الاختبار المتفق عليها أو المدة القصوى المحددة قانوناً، كما ولا يجوز إنهاء عقد العمل تحت الاختبار قبل إنتهاء المدة الدنيا له في حال وجود اتفاق بين الطرفين على اشتراط مدة دنيا للاختبار.
آثار عقد العمل تحت الاختبار
يترتب على عقد العمل تحت الاختبار آثار هامة جداً، منها ما يكون خلال سريان فترة الاختبار، ومنها ما يكون بعد انتهائه.
أولاً: الآثار التي تنتج عن عقد العمل تحت الاختبار أثناء سريان مدته:
تتمثل في أداء العامل للإلتزامات الواجبة عليه بقيامه بأداء العمل المطلوب منه القيام به وفقاً لتوجيهات وإدارة صاحب العمل، وبالمقابل يقوم صاحب العمل بأداء الإلتزامات الواجبة عليه بدفع أجر العامل ومنحه لحقوقه المستحقة نتيجة أدائه لعمله.
ثانياً: الآثار التي تنتج عن عقد العمل تحت الاختبار بعد إنتهائه، وهي تتمثل بحالتين:
الحالة الأولى: إذا تحقق الشرط الفاسخ بقيام الطرف المقرر شرط الاختبار لمصلحته بإنهاء العقد، فإنه بذلك تنتهي العلاقة العمّالية بين الطرفين دون أن يكون لذلك الإنهاء أي أثر رجعي على الماضي لتعارض أثر ذلك مع طبيعة عقد العمل كونه من العقود الزمنية، وهذه العقود لايمكن أن يكون لها أثر رجعي، ويعتبر إنتهاء عقد العمل تحت الاختبار في هذه الحالة من تاريخ تحقق الشرط الفاسخ وليس من تاريخ انعقاد العقد.
الحالة الثانية: إذا لم يتحقق الشرط الفاسخ فانتهت مدة الاختبار دون أن يستعمل الطرف المقرر شرط الاختبار لمصلحته حقه بإنهاء العقد، فإن العلاقة العمّالية تستقر بين الطرفين وتتحوّل إلى عقد عمل بات وبأثر رجعي منذ انعقاد العقد، وتحسب أقدمية العامل في هذه الحالة من تاريخ بداية عقد العمل تحت الاختبار وليس من تاريخ تخلف الشرط الفاسخ.
وبنجاح الاختبار فإن إرادة الطرفين لا تنصرف إلى إبرام عقد عمل جديد، وإنما إلى استمرار عقد العمل تحت الاختبار الذي يتحول إلى عقد عمل بات ونهائي، ما يؤدي إلى رفع تطبيق الأحكام الخاصة لعقد العمل تحت الاختبار وبدء تطبيق الأحكام العامة المقررة لعقد العمل البات.
تعليقات
إرسال تعليق